مقالات

سيدي بومدين قطب الغرب الإسلامي

سيدي بومدين قطب الغرب الإسلامي   خلال ملتقى دولي في تلمسان حول سيدي بومدين “قطب الغرب الإسلامي”   غلام الله: بن نبي مستقبل الفكر الجزائري وسيدي بومدين مرجعيته الدينية   أكد أبو عبد الله غلام الله رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، السبت، أن الجزائريين وفي ظل التطورات الحاصلة تكنولوجيا في عصر السرعة، أصبحوا ميّالين للشكليات وما وصفه بـ”الثقافة الافتراضية”، على حساب الثقافة الحقيقية، بكل ما تحمله هذه الثقافة من عمق فلسفي وقلق وجودي.    وأشار غلام الله، لدى إشرافه على افتتاح الأيام الدراسية الدولية، التي تمحور موضوعها حول “سيدي بومدين قطب الغرب الإسلامي”، التي احتضنت فعالياتها قاعة المحاضرات بمركز البحوث والدراسات الأندلسية بتلمسان ، إلى أن مثل هذه اللقاءات الدولية التي تسلط الضوء على بعض المرجعيات الدينية والفكرية من شأنها أن تساهم في زرع الثقافة الدينية الحقيقية، معتبرا في سياق كلمته أمام المشاركين في هذا الملتقى الدولي، أن مستقبل الجزائر الفكري والثقافي يكمن في ما تناوله المفكر مالك بن نبي، تماما كما هو الشأن مع الغوث سيدي بومدين الذي يشكل مرجعية دينية تاريخية للجزائر.  هذا وقد اتفقت مجمل التدخلات في الفترة الصباحية سواء من قبل المشرفين في هذا اللقاء العلمي أم المشاركين من دكاترة وباحثين على أن المرجعية الدينية التي دعا إليها الولي الصالح أبي مدين شعيب تمثل الإسلام في بعده الروحي والحضاري، كما جاء ذلك على لسان ممثل وزارة الثقافة حكيم ميلود، الذي اعتبر أن الاحتفاء بسيدي بومدين الغوث يعني الدعوة إلى إسلام روحي وحضاري في ظل التشويه الحاصل للإسلام ، مشيرا إلى أن أبي مدين شعيب كان يدعو إلى الاعتدال، حاملا شعار المحبة، من جانبه اعتبر المسؤول الأول على الجهاز التنفيذي بتلمسان السيد أحمد عبد الحفيظ الساسي، أن فعاليات هذا الملتقى تبرز أهم المرجعيات الدينية الثابتة التي تعكس هويتنا ومعتقدات يتمسك بها الشعب والسلطة معا . الملتقى الذي أشرف على تنظيمه المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ، عرف مشاركة نوعية للعديد من الباحثين من داخل الوطن وخارجه. جريدة الشروق 20نوفمبر 2016م  

سيدي بومدين قطب الغرب الإسلامي قراءة المزيد »

تحية للجيش الوطني الشعبي

  تحية للجيش الوطني الشعبي تحية للجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني في يومه الوطني الدكتور بوعبد الله غلام الله رئيس المجلس الإسلامي الأعلى شهد غرة الفاتح من نوفمبر 1954 مجموعة من الشباب خرجوا من قرية (أولاد موسى بالأوراس) يطلقون الرصاص ليس لصيد الحيوانات، وإنما ضد رموز قوة القهر الاستعماري، لم يفكروا عندما كانوا يتدربون على حمل السلاح في تسمية جماعتهم ذلك لأن هدف الجماعة كان أقوى من البحث عن الأسماء. إن جرأة الجماعة سرعان ما أحدثت هلعا في قوة المعمرين الفرنسيين الذين كانت تأخذهم العزة بالإثم، فكان النجاح الذي أحرزته تلك الجماعة الأوراسية والهلع الذي أحدثته في صفوف المعمرين كل ذلك خلق في أنفسهم تيارا ثابتا متينا وعضده الاحساس بقوة الجماعة والشعور بشرعية عملها والرغبة في الاستمرار تثبيت الجماعة نفسها على هزيمة الاستعمار وطرده من الجزائر وتحريرها. لقد سطعت كلمة (تحرير) كالشمس، التحرير الذي انبجست من كلمة جيش لان التحرير جهاد، والجهاد لا يتم إلا بقوة جيش، لأن مصطلح جيش التحرير لم يسبق المعركة وإنما خرج من رحمها، وتأكد بانضمام الشباب الغاضب على الاستعمار إلى رفع السلاح والإقبال على التضحية من أجل التحرير لأن التحرير أغلى وأهم من من التضحية، وكلما ظهرت قوة التحريرعلى قيمة التضحية كلما تأكد الانتصار وتأكد بذلك تحقيق التحرير. لقد انتصر جيش التحرير بفضل التضحيات بالانفس خاصة، لأن الاستعمار الذي حرم الجزائريين من دولتهم ومن حقهم في تصريف شؤونهم لم يترك لهم إلا أنفسهم، هذه الأنفس التي دفعوها لتحقيق التحرير. لقد تحقق تحرير الجزائر بالتضحية وانتصر الشعب الجزائري، فكان عليه أن يواجه مسؤولية التحرير، وهي مهمة لا تتحقق بالأنفس والأرواح وإنما تتحقق بالتضحية واسترخاص المنافع المادية في سبيل بناء الأمة. لقد وجد المجاهدون أنفسهم في وضع يختلف عما كانوا عليه وهم يخوضون غمار الحرب، إن الاستجابة إلى مطالب الشعب الذي كان يريد يستعيد سيادته وقوته حتى يتمكن من أن يعيش حرا طليقا في وطنه، فتحول جيش التحرير إلى جيش الشعب. إن الجيش العظيم الذي شادناه وشاهد العالم كله نظامه وقوته وصرامة وحدته ومكانته النظامية والعملية يوم الخامس جويلية 2022. إنه الجيش الوطني الشعبي الذي نحييه اليوم في عيده الوطني(اليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي) ونعتز به وندعو له بالنصر والانتصار على كل ما يمس شرف الجزائر ويسعى إلى النيل من وحدتها.

تحية للجيش الوطني الشعبي قراءة المزيد »

ثجديث : ثِلْلِي (الحرية)

  ثجديث : ثِلْلِي (الحرية)   الحر لا يرضى الذل والمهانة، ولا يقبل الظلم والاستعباد. ولما كان أجدادنا من الأحرار الشرفاء، انتفضوا وثاروا ضد الدخيل الفرنسي الذي أراد أن يدوس كرامتهم، ويُشتِّت صفوفهم، ويعبث بقيمهم ومبادئهم، ويسلبهم هويتهم. عزموا على المقاومة والمحافظة على مجدهم وعِزِّهم، فشحذوا الهمم نحو المعالي كبيرا وصغيرا، رجلا وامرأة، فما تركوا بقعة إلا وسقوها من دمائهم الزكية، وما تركوا جبلا إلا وحفروا فيه خطاهم، ولا واديا إلا وشقّوا فيه طريقا ليتركوا فيه بصمة وأثرا. باسم الله انطلقوا وبالله أكبر ثبتوا وصمدوا، اشتعلت في أفئدتهم شعلة حب الوطن فزلزلت الأعداء بلهبها وهزَّت مرقدهم. تسلّحوا بالإيمان والشجاعة لا بالمدفع والدبابة، استمدوا قوتهم من صلابة الصخور ومن شموخ الجبال، رعدوا فأسمعوا العالم دوِّيُ صرختهم فانحنى لهم العدو والصديق إجلالا واحتراما، لأنهم بنوا مجدهم وحافظوا عليه ورفعوا هامتهم بكل فخر واعتزاز. علموا أن شرفهم هو وطنهم والشرف عظيم لا يستهان به، فإذا اُنتُزِعت من الوطن سيادته ومن الشعب هويته، فلا قيمة لحياتهم ولا عبرة لكبريائهم وتضحياتهم. علموا أن المجد صناعة جماعية فجمعوا شملهم وروَّضوا أنفسهم على الإتحاد والتلاحم من أجل مقاومة الطغيان ورد العدوان، رفضوا الركوع والعيش في الضلال وتحت الاحتلال، صمّموا على الحياة بشرف أو الموت من أجل الشرف، فرخّصوا نفوسهم وباعوا أرواحهم ودماءهم من أجل الوطن والكرامة، كانوا كالأسود الضارية في ساحات الوغى، يتقدمون وأبدا لا يتراجعون مهما حمي الوطيس. استظلوا براية الإيمان، فأعزّهم الله في الحياة وخلّد ذكراهم بعد الممات. كانوا، وهم يواجهون الموت، يتشجَّعون ويتذاكرون أنه من عاش استحق وسام الشرف والشجاعة، ومن حاز الشهادة رُشَّ بمسك الجنة، ومن جملة ما أنشدوا: مَا مُوثَغْ يَاكْ ذاَفْحلِي أْلْجْنّْث اَرذاتْسكْشْمَغْ لْمَلاَيْكَاثْ أَذْسَغَرْثْنْتْ فْلِي أُوذْمْ نَرْسُولْ أَرذَثْزْرَغْ تعلّقوا بالوطن فلما استنجد بهم هبوا لنداء الواجب النبيل بإرادة من فلاذ، لم يتوان أحد في قلبه ذرة شرف وغيرة على الوطن والحق. وثبوا وثبة الرجل الواحد وزأروا زأرة الأسد الجريح حتى وَجِست منهم خيفةً فرنسا التي شقّت البحار بسفنها، وغمّمت السماء بطائراتها، وحجبت الأرض بدباباتها، فرّت منهم بعد أن يئست من تحقيق مناها بتخاذلهم وتنازلهم عن دينهم وهويتهم. تراجعت عن طموحاتها ومشاريعها في أرضهم بعد أن فهمت وتيقنت أن روح الجهاد والدفاع عن الوطن بالنفس والنفيس إنما يسري في عروقهم، كيف لا وقد رضعوا حب الوطن بدل اللبن، نشؤوا في كنف العز وترعرعوا في ظل الأنفة، تربوا على الدين وتغذوا من مبادئه وفقهوا معنى أن يحيا المرء عزيزا ويموت عزيزا دون عرضه ودينه. أدركوا بأن الذود عن الوطن إنما هو من صميم الوطنية وهو أصل من أصول الإسلام الذي علّمهم حب هذا الوطن والإخلاص له في السر والعلن. قدّسوا الوطن وقدّسوا وحدته، وأبوا إلا أن تكون الجزائر الثائرة مهد الأسود وأرض الأمجاد والبطولات. لقد صدق فيهم قول الشاعر: ونفس الشــريف لـهــا غايتان ورود المنايــــــــا ونيل المنى أرى مقتلي دون حقي السليب ودون بلادي هـــــــو المبتغى د. سعيد بويزري / عضو المجلس الإسلامي الأعلى

ثجديث : ثِلْلِي (الحرية) قراءة المزيد »

التجربة الصوفية والنزعة الإنسانية في كتابات الأمير عبد القادر

  التجربة الصوفية والنزعة الإنسانية في كتابات الأمير عبد القادر   أ.د. بوعرفة عبد القادر التجربة الصوفية والنزعة الإنسانية في كتابات الأمير عبد القادر توزعت التّجربة الصوفية عند الأمير عبد القادر بين التّصوف العملي في شبابه وكهولته، وبين التصوف الاتحادي لا الحلولي (وحدة الوجود) في شيخوخته، فالأول فرضه مقام الجهاد والفعل السياسي، والثاني فرضه مقام الهجرة إلى الله والبعد عن الأوطان. وعليه، يظهر تصوف الأمير في المرحلة الدمشقية بالخصوص، حين جاور شيخه الروحي ابن عربي، وجاوره جوارين جوار الحي للمكان، ثم جوار الميت للقبر (جبل قسيون). لا يمكن فصل الأمير عبد القادر عن الشيخ محي الدين ابن عربي، فلقد أثر فيه تأثيرا كبيرا، خاصة في مجال المعرفة ومحبة الإنسانية والتفكير فيها. لقد كان ابن عربي من بين أهم أعلام الفكر الصوفي في مجال النزعة الإنسانية، وأكثرهم دفاعا عن الإنسان الحيواني الذي لم يصل بعد إلى مصاف الكمال.  يعتقد كل من ابن عربي والأمير أن الإنسان أشرف الموجودات حتى في حوانيته، ويزدادا شرفا وكمالا كلما انتقل من حال الحيوانية إلى حال الإنسانية، أو من حالة الآدمية إلى حالة الرسولية، فكل إنسان رسول ذاته إذا وعى الحق سبحانه وتعالي، وما الرسل عبر التاريخ إلا الوسيلة التي يستنطق بها الله إنسانية الإنسان المدفونة تحت براثن جهله وحبه للمادة. وشرف الإنسان ليس في طريقة خلقه بل فيما أوتي من الفهم والتعقل، فعندما خلق الله أدم على صورته كان القصد التميز بين مقام الإنسانية والآدمية: ” خلق الله الإنسان، مختصرا شريفا جمع فيه معاني العالم الكبير وجعله نسخة جامعة لما في العالم الكبير، ولما في الحضرة الإلهية من الأسماء وقال فيه رسول الله: إن الله خلق آدم على صورته…. فإن الإنسانية تجمع الذكر والأنثى والذكورية والأنوثية إنما هما عرضان ليستا من حقائق الإنسانية لمشاركة الحيوان كلها في ذلك”. إن الأمير عبد القادر من المنطلق السابق كان يمارس مفهوم الإنسانية من خلال التجلي الصوفي، فالإنسان إنسان بما وضعه الله فيه فيض روحه، وما الاعتقاد والتدين إلا من إرادة الإنسان، ولذلك على العاقل العارف أن يعامل الإنسان من هذا الباب، وكان الأمير يستشهد دوما بأبيات ابن عربي: لقد صار قلبي قابلا كل صورة  **   فمرعى لغزلان ودير لرهبان وبيت لأوثان وكعبــة طائف    **   وألواح توراة ومصحف قرآن أدين بدين الحـبّ أين توجهت  **  ركائبي فالحبّ ديني وإيمانـي إن هذا الحب الكبير الذي يحمله الفكر الإسلامي للإنسان جعل الأمير يزور الكنائس ويجالس رهبانها إبان إقامته في فرنسا، ويتأسف عن اعتقاده السابق الناجم عن قلة عرفان ونقص في البرهان، فالكنيسة والمعبد والمسجد مجرد أمكنة وصور عظمتها فيما تُغدقه على الإنسان من سعادة ومعرفة الحق. إن كل من يقرأ الأبيات السابقة أو يسمعها يشعر بتلك النزعة الإنسانية المفتوحة التي تفيض بالحب والاحترام للبشر. لقد أثر ابن عربي في مواقف الأمير أثناء الجهاد، فرعايته للأسرى بنفسه وحرصه على حياتهم وسلامتهم نستشفها من تأويلات أستاذه ابن عربي حين قال : ” أرحم من وافق الحق ومن خالفه رحمة له، فإن ذلك قسمة، فإن الكافر إذا رحم المؤمن خفف الله عنه، وإذا رحم المؤمن الكافر وفى الله له، الكل خلق الله ومضاف إليه فتعظيم خلقه تعظيمه، فطوبى لمن رحم خلقه، ولا يلزم من رحمهم أن يلقي إلى أعداء الله بالمودة. أرحمهم من حيث لا يعلمون”. هكذا كان سلوك الأمير، الرحمة والعفو، ولين الجانب ورعاية خلق الله بالرغم من كفرهم وغزوهم لبلاده. وتدبير شأن الخلق لما تتطلبه صفة الخلافة، لأن الخليفة ليس الحاكم بأسباب السياسة ولكن الخليفة من اكتملت إنسانيته، وحاكى الرسول محمد لأنه أكمل البشر منذ بدء الخليقة. يفرض التصوف الغوص في ماهية الحقيقة، حيث يُفرق الأمير بين نوعين من الحقيقة، الحقيقة التاريخية التي تتولد من تجارب البشر وعاداتهم وتصوراتهم، والحقيقة الإلهية المتعالية عن الأحكام التاريخية، فالحقيقة التاريخية يكتنفها التعصب والتطرف، ويقودها الوهم والجهل، وأكبر منتج لها التقليد والمحاكاة، فالحقيقة التي تُبنى على أساس النماذج الجاهزة هي أكبر معقل للتفرقة بين الناس، وأسهل طريقة لاستعباد الناس بعضهم بعضا. أما الحقيقة الإلهية المتعالية فهي تجمع ولا تفرق، لأن الناظر والمتأمل وفق أصول العقل يدرك الحقيقة الإلهية في كليات الحقيقة التاريخية، فليس هناك خلاف بين الأديان على مستوى التوحيد، فكل الأديان السماوية تؤمن بالله الواحد، لكن نشأ الخلاف بفعل الأحكام التاريخية التي تغذت بفعل التاريخ وحمولاته المعرفية والإيديولوجية. إن الحقيقة الإلهية هي ذلك الإجماع الإنساني حول موضوع ما، فمحبة الصدق وكره الغدر لا يختلف فيها أحد. إن الصراع الديني والطائفي لا مبرر له حين يرى العاقل أن الغاية من التدين هو معرفة الله، فالمتدين الذي أمن بالله وفق مبدأ التقليد والوراثة الاجتماعية لا يمكن أن يكون متسامحا ومحبا لأخيه الإنسان، أما الذي آمن بالله بعقله وقلبه يستوي عنده الناس أجمعين، فكلهم إنسان وجب حبه واحترامه، وحُرم قتله وإفساده. إن الأمير أدرك معنى مدلول قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}. إن الحقيقة الإلهية تكمن في الكلمة التي أساسُها عدم استعباد البشر لبعضهم بعضا، وعبادة خالق كل البشر. إن الحقيقة الإلهية تتضايف مع الفطرة الإنسانية تضايفا دلاليا، فالحقيقة علامة من علامات الفطرة السَّليمة التي فطر الله عليها آدم وبنيه، ولذلك يُمَيِّزُ الإنسان بين الخير والشر، الجمال والقبح، الصدق والكذب… وتكاد تكون أحكام البشر عبر تاريخها متجانسة ومتقاربة لأن الحقيقة عامل توحيد بالرغم من إكراهات التاريخ. إذا كان بعض الناس ينتقد الأمير لكونه دخل المحفل الماسوني، فالعلة تكمن في اعتقاده أن الناس إذا اجتمعوا حول الحقيقة الإلهية فليس هناك مُسَوّغ لوجود الطوائف والمذاهب، ما دمت الحقيقة تتجه نحو إثبات الله وقيمه السَّامية أولا، وتكرم الإنسان وتحترمه ثانيا. ومن خلال تلك الآيات الدالة على قدسية الإنسان استنتج علماء الإسلام عظمة النفس البشرية ومدى حرمتها عند الله ، فيكفي القرآن ذكرا أن آية واحدة منه أسست للإنسانية المفتوحة، فقوله تعالي: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُون}، فالآية تدل دلالة قاطعة أن نفسا واحدة تساوى ما لا نهاية من الأنفس في الحالتين، وأن الإنسان الكريم هو الذي يُحي لا الذي يقتل. عمل الأمير من خلال كتاب “المواقف” أن يحاكي كبار المتصوفة في القول العرفاني، وأن يُقدم نظرته للوجود ووحدته، فهو يعتقد أن “وحدة الوجود” من صلب الإسلام ذاته، وليست مجرد مقولة صوفية، ويستدل بقوله تعالى: {هو معكم أين ما كنتم}، وهذا يدل أن الله يتجلى في أفعال عباده

التجربة الصوفية والنزعة الإنسانية في كتابات الأمير عبد القادر قراءة المزيد »