خطاب الكراهية في وسائل الإعلام
الصادر بتاريخ 06 شوال 1439هـ/ 20 جوان 2018م
إن التكنولوجيا الجديدة التي أثمرت الثورة الرقمية وسخرتها في خدمة الإنسانية مثل تحسين المعيشة والصّحة والتعليم وصَيرت العالم قرية واحدة، قد مكنت من توفير ظروف طيبة لـــلتعارف والتحاور والتفاهم بين الأفــــراد والجماعات وذلك تحقيقا لقوله تعالـــى: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” الحجرات الآية 13 كما أنها تستثمر في تحقيق “القيم الإنسانية” التي أشار إليها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الخلق عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله”، فأخوة الإنسانية هي المعنى المُستوحى من قوله صلى الله عليه وسلم ” و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”. فالعقل الذكي الحصيف يتمثل في الحكمة في تسيير الحياة وعيشها والتحرر من سطوة الغريزة والنّزوع نحو الانحراف والشر، كما يعمل على تهذيب الرغبات وتوجيهها، و هو ميزان الوسطية والاعتدال واحترام الاخر وحسن التواصل معه.
وتأسيسا على ما سبق، فإن أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى لاحظوا انحرافا ظاهرا في استخدام منجزات التكنولوجيا التي تحولت إلى نشر العنف والكراهية ودواعي الفرقة مثل ما تبثه عدد من القنوات التلفزيونية والوسائط الرقمية الجديدة، في الأشهر الأخيرة
وخصوصاً في شهر رمضان الكريم شهر الرحمة والمحبة والسّلام، وهو ما سجله باستهجان كثير من العلماء والمثقفين والإعلاميين، وجمهور عريض من المُواطنين لأنه يمس بقيمنا الاجتماعية ويهدّد استقرار مجتمعنا وأسرنا ويفسد الذوق ويخل بالآداب.
و لا تقل هذه الوسائل في خطرها عن الأسلحة المتطورة الفتاكة التي لا يجوز أن توضع في أيدي المتهاونين بحياة الناس وبقيمهم الأخلاقية وعاداتهم الأصيلة.
وإذا كانت هذه الوسائل الاعلامية قنوات لنقل الأخبار فيجب أن تؤطر بطريقة تمنع الاعتداء على الآخرين امتثالا لتعاليم الإسلام السمحة الآمرة بضرورة التثبت في نقل الأخبار لقول الله تعالى” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” الحجرات الآية 6
إن الاستهانة بخطر هذه الوسائل وتركها بدون تنظيم ولا توجيه مع غياب ميثاق شرف، قد أخلّ بوظيفتها الإعلامية والتربوية والخدمة العمومية، وحوّلها إلى أدوات تضر أكثر مما تنفع، وأصبحت عنوان الابتذال والانحراف ونشر ما من شأنه أن يقوض أخلاق الأمة، ويبعدها عن قيمها الإسلامية وآدابها الاجتماعية.
ونظرا إلى الاعتبارات والمعاني المشار إليها فإن أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى يدعون المسؤولين على اختلاف مستوياتهم للعمل على تلافي الأخطار التي بدأت تظهر في بعض وسائل الاتصال ومِنصّات
الوسائط الاجتماعية، واتخاذ الإجراءات الضرورية اللازمة حماية لقيمة الحرية الإعلامية ومعانيها السامية. وضمانا لنجاعة البرامج الدينية التي يعدها أهل الاختصاص من ذوي الفكر الديني المعتدل المنسجم مع تاريخ الأمة وتراثها الزاخر، العارفين بواقع مجتمعاتهم وما يصلح لها.
كما يلفت أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى الانتباه إلى الخطر الداهم الناجم عن شهوة الكسب الجشع و حب الانتقام في غياب العقل والحرية المسؤولة، والتي نجم عنها أشكال من العنف والتطرف والكراهية التي تسيء إلى المجتمع وتفكك الأسرة وأصبح أداة لكشف الحرمات وفضح الأسرار.