الصيرفة الإسلامية
الصيرفة الإسلامية الصادر بتاريخ: 17 ربيع الثاني1439هـ/ 17ديسمبر 2017م مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، لقد أنجبت الجزائر على امتداد تاريخها علماء كبارا وفقهاء أجلاء خدموا الإسلام وشرحوا شريعته للبشرية بوعي وتميز وثراء؛ فألفوا الكتب التي بلغت آفاق المعمورة، ونظموا حياة الناس باجتهادهم التشريعي الفذ بحيث عاشت في ظل تلك الاجتهادات سلطة تنفيذية فريدة وسلطة قضائية عادلة. وإن من أهم المجالات التي توالى علماؤنا على خدمتها واستطاعوا من خلالها إشاعة نظام اجتماعي عادل: مجال التصرفات المالية؛ حيث عرفت اجتهاداتهم في هذا المجال تبريزاً وتفوقاً لافتين؛ سواء على صعيد القضايا التي تتعلق بالنظام المالي، أو على صعيد النظام الاقتصادي وما يتصل به من نظم الإنتاج والتوزيع والتجارة وغيرها. وإن الخطوة التي أقدمت عليها حكومتنا من اعتماد المصرفية الإسلامية وإدخال أساليب التمويل الإسلامي في اختصاصات البنوك العمومية والخاصة؛ لهي خطوة مباركة تستحق الإشادة والشكر والمرافقة. وانطلاقا من الأسس التي قام عليها المجلس الإسلامي الأعلى ومنها تقديم الاستشارة اللازمة للدولة الجزائرية التي قامت بتأسيسه ودعمه فإنه يتعين: – بذل أقصى الجهد لتحقيق أهداف المصارف الإسلامية، باعتبارها مؤسّسات لتجميع الأموال وتوظيفها طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية، فيما يخدم بناء المجتمع المتكافل، ويحقّق عدالة التوزيع، ووضع المال في مساره الصحيح، وتحقيق مشاركة العمل ورأس المال معا، من أجل إحداث التنمية الحقيقية في المجتمعات الإسلامية؛ وإبراز العمل المصرفي الإسلامي، كعمل متميّز، باعتباره يمثّل منفعة مشروعه، تقابل بالأجر؛ ولكونه عملا موجبا لاستحقاق الربح. – العمل لاستكمال صيغ المعاملات الإسلامية، في الاستثمار والخدمات المصرفية، وصولا إلى البدائل الإسلامية كاملة؛ ومن ثم تحقيق معانيها ومقاصدها، وذلك بتطوير الصيغ التمويلية، والتركيز على الصيغ المنتجة، والخروج من المجال الضيق للمرابحة، التي أدّت دورها في مرحلة وسيطة، من مراحل العمل المصرفي الإسلامي؛ ولا ينبغي أن تستمرّ على ما هي عليه الآن؛ فليست هي الصيغة الأنسب لرسالة المصارف الإسلامية؛ ولا تنسجم مع منهجها وطبيعتها التنموية. – قبول التعايش مع نظام المصارف التقليدية، بناء على نظرة الإسلام إلى التعامل مع الآخر، فكرا ونظاما؛ ودعوته إلى التعامل مع الغير، والاعتراف بحقّه في العيش والحضور والممارسة. فالمصارف الإسلامية تشترك مع البنوك التقليدية في كثير من المنتجات والعمليات المصرفية؛ وتتميز بالتعامل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية؛ وتخضع للرقابة المصرفية، فضلا عن الرقابة الشرعية. إنّ المصارف الإسلامية جزء من النظام المصرفي، المحلّي والدولي، تؤثّر بدورها في الاقتصادات المحلية والعالمية؛ ومن ثمّ فإنّ التعاون مطلوب بينها وبين المصارف التقليدية، لخدمة الأهداف الوطنية. والمجالات كثيرة للتعاون بين النظامين، في المعاملات التي ليس فيها مخالفات لأحكام الشريعة الإسلامية. وقد أثبتت التجربة الماليزية أنّ أفضل وسيلة للتحوّل من المصرفية التقليدية إلى المصرفية الإسلامية تتمثل في التعايش بين النظامين، جنبا إلى جنب. كما يرى المجلس أن من واجبه تقديم الاقتراحات التالية لتكون معالم هادية لحكومتنا في خطوتها نحو أساليب التمويل الإسلامي في البنوك والمؤسسات المالية وسوق القيم المنقولة (بورصة الجزائر): أولا- ضرورة تأسيس هيئة مرجعية من الفقهاء الممارسين لفقه المعاملات والعاملين في مجال الاستشارة في هذا الميدان، وذلك أن عملية الانتقال من التمويل التقليدي إلى التمويل الإسلامي يتطلب معرفة فقهية عميقة وخبرات طويلة وتخصصا علميا يعرف خبايا هذا المجال الحيوي الحساس. ثانيا- ضرورة اعتماد أساليب تمويل متفق عليها بين البنوك والمؤسسات المالية من أجل أن تكون عملية النهوض بهذا المجال منسجمة ومتوافقة، صونا لها من وقوع التفاوت أو التضارب بين الأهداف التي سطرتها الدولة لتلبية الحاجات الاقتصادية والمالية للمجتمع وبين الصيغ التمويلية التي يتم اعتمادها ويختلف فيها بنك عن بنك آخر. ثالثا- ضرورة تعيين لجنة من المتخصصين والقانونيين الذين يرافقون الصناعة المالية الإسلامية من السادة الفقهاء والمستشارين الشرعيين للبنوك من أجل صياغة المتطلبات الأساسية لإنجاح التمويل الإسلامي من خلال تهيئة الأرضية التشريعية والقانونية لهذه الأساليب. ومن أهم ما ينبغي اتخاذه من تدابير: المبادرة إلى إصدار التشريعات الداعمة لعملية التمويل الإسلامي، وذلك لحاجتها إلى الأرضية القانونية لإنجاح هذا المشروع الوطني الهام. وتتكون هذه اللجنة من المستشارين القانونيين للحكومة والمستشارين الشرعيين للبنوك وأعضاء من المجلس الإسلامي الأعلى، مع خبراء وموظفين من وزارة المالية وبنك الجزائر يستعان بهم في تهيئة القوانين والتشريعات المتعلقة بهذا المجال. رابعا- ضرورة عقد ملتقيات تعريفية بالمصرفية الإسلامية وطرق التمويل الإسلامي لكي يتاح لرجال الاقتصاد والمالية والمحاسبة والقانون الفرصة ليتعرفوا على حقيقة التمويل الإسلامي، ويحتكوا بخبراء الفقه الإسلامي والمصرفية الإسلامية عن قرب، مما يتيح لهم فهم حقيقته واستجلاء فسلفته في مجال النهوض باقتصاد الأمة وحل مشكلاتها المالية. ويمكن في هذا الصدد التعاون والاشتراك في عقد هذه الملتقيات مع الجامعات ومخابر البحث وكليات العلوم الإسلامية والحقوق والاقتصاد والإدارة، وكذا مع البنوك التي شرعت في اعتماد التمويل الإسلامي. خامسا- إدخال مادة الاقتصاد اللاربوي وأساليب التمويل الإسلامي ضمن المقررات التعليمية وعروض التكوين في كليات الاقتصاد والمالية والإدارة والمحاسبة والحقوق؛ من أجل تجسير الهوة بين طلاب هذه التخصصات وبين المالية الإسلامية وما تفرع عنها من خدمات ومنتجات وأساليب. كما يمكن أن تعتمد الحكومة تكوين لجنة مختصة في الصناعة المالية الإسلامية وفقه المعاملات تقوم بالإشراف على تكوين مستمر في هذا المجال بناء على طلبها، ووفق الحاجة. سادسا- ضرورة التوعية بأهمية المالية الإسلامية كأسلوب من أساليب التمويل أثبت جدارته وانتشاره حتى في الدول غير الإسلامية؛ باعتباره نظاما لا يعتمد الفائدة الربوية كعائد على الاقراض. هذا، وإن المجلس الإسلامي الأعلى يثمن هذه المبادرة المباركة من الحكومة، ويعتبرها خطوة في الاتجاه الصحيح في خدمة بلدنا العزيز؛ الذي يستحق منا بذل كل ما نملك في سبيل تعزيز قدراته الإنتاجية واستقلاله الاقتصادي واكتفائه الذاتي. أولا: مرافقة الصيرفة الإسلامية 1- إنشاء هيئة شرعية عليا على مستوى المجلس الإسلامي الأعلى باعتبار أنّ المصرفية الإسلامية تطورت بشكل مطرد خلال السنوات الماضية وأصبحت أكثر تعقيداً من ذي قبل، الأمر الذي يستدعي توحيد هيئات الرقابة الشرعية بحيث أصبحت ضرورة ملحة وذلك من خلال إنشاء هيئة شرعية مركزية للمصرفية الإسلامية “الهيئة الشرعية العليا” ضمن المجلس الإسلامي الأعلى تكون المرجع الوحيد في البلاد لإبداء الرأي الشرعي في مجال المعاملات المالية اللاربوية، ويمكن أن تنبثق عنها لجان خاصة يكون من ضمنها لجنة لفتاوى المعاملات المصرفية ولجنة تهتم بوضع وضبط وتوحيد الإجراءات العملية لمختلف صيغ التمويلات وكذا لجنة لوضع خارطة طريق نحو الارتقاء بالنوافذ الإسلامية إلى وكالات بنكية متخصصة في المصرفية الإسلامية. ومع أن اختلاف العلماء رحمة، إلا أن ذلك قد يؤدي في بعض الأحيان إلى لغط عام، الجزائر في غنى عنه، وإلى تشكيك قد يؤثر سلباً في قناعة المواطنين بما يصدر عن بعض الهيئات الشرعية، كما أن اختلاف آراء الهيئات الشرعية تجاه مسألة فقهية معينة أمر طبيعي على اعتبار أنه مبني على أساس شرعي، إلاّ أنّ المتعاملين قد لا يدركون ذلك، ما قد يزعزع ثقتهم اتجاه المعاملات التي تقوم بها هذه البنوك الإسلامية. وعليه فإن إنشاء هيئة شرعية عليا سيكون سدا منيعا لكثير من الإشكالات التي قد تحدث في
الصيرفة الإسلامية قراءة المزيد »