أخلاق الإسلام واقتصاد السوق
نظّم المجلس الإسلامي الأعلى ملتقى دوليا، في موضوع : “أخلاق الإسلام واقتصاد السوق”، في فندق الأوراسي بالجزائر، من 27 إلى 29 صفر 1427هـ الموافق لـ 27 إلى 29 مارس 2006م.
انعقد الملتقى برعاية فخامة رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي مثله الدكتور محمد علي بوغازي، المستشار لدى رئيس الجمهورية؛ وافتتحه الدكتور أبو عمران الشيخ، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، بكلمة تناول فيها محاور الملتقى والأهداف المتوخاة من تنظيمه.
استمع المشاركون في الملتقى إلى محاضرات قيّمة ألقاها نخبة من العلماء والخبراء، من دول شقيقة وصديقة، من آسيا وإفريقيا وأوربا، ومن جامعات ومؤسسات وطنية متخصصة. وقد أثرت هذه المحاضرات تعقيبات ومناقشات تناولت أهم الانشغالات ذات الصلة بالبعد الأخلاقي للاقتصاد الإسلامي، وقابلية هذا الاقتصاد للتطبيق في كل عصر، باعتباره منهجا متكاملا، يجعل من العمل والإنتاج مطلبا دينيا، وركيزة أساسية لعمارة الأرض وتحقيق الاستخلاف فيها.
و من أهم خصائص الاقتصاد الإسلامي أنه اقتصاد أخلاقي يعنى بالدوافع والمقاصد ويعنى بالغير كما يعنى بالذات.
إن اقتصاد السوق يدخل فيما يعرف عند علماء الاقتصاد بالتداول؛ و لكن هذا التداول في الاقتصاد الإسلامي لا يعدّ سائبا، بل يجري على نسق متميز عما عند الاشتراكيين سابقا الذين كانوا يلغون حرية السوق، كما يتميزعما عند الرأسماليين الذين يتركون السوق حرية مطلقة، مما يتيح الفرصة للأقوياء التهام الضعفاء.
إنّ الشائع اليوم في عالم الاقتصاد، ولا سيما في مجالات التبادل و التجارة والأسواق، ممارسات تتنافى والأخلاق الحميدة، حيث تطغى الفردية والأنانية، وتتحكم، دون ضوابط، المصالح الخاصة والمنافع الذاتية.
إن العالم يعيش اليوم مرحلة حداثة اقتصادية تتطلب إعادة النظر في بعض المفاهيم و القيم و ذلك لملء الفراغ الفكري السائد حاليا.
وفي هذا الواقع المشوّش، ينعقد ملتقانا هذا ليتزامن مع وضع بدأت فيه بعض النظريات الغربية تعي النتائج السيّئة الناجمة عن شيوع ممارسات خاطئة في عالم الاقتصاد، ولا سيما في مجال الأسواق المالية، ممّا يتنافى مع الأخلاق الإسلامية، التي هي بمثابة الأركان لبناء الاقتصاد السوي.
هذا وقد اختتمت أعمال الملتقى بمصادقة المشاركين على التوصيات الآتية:
- العمل على نشر أخلاق الإسلام لتطهير اقتصاد السوق من الممارسات الخاطئة والأعمال المخالفة للشريعة الإسلامية، في الأداء الاقتصادي، ومن كلّ صور أكل أموال الناس بالباطل؛ وعلى رأسها الغرر والربا و الرشوة إلى آخر المخالفات التي تمارس في النشاط الاقتصادي، إنتاجا، وتوزيعا و استهلاكا.
- الدعوة إلى الالتزام بثوابت الأخلاق الإسلامية في اقتصاد السوق وتفعيل دور الاجتهاد في المتغيرات والمستجدات.
- دعم المصرفية الإسلامية لرفع الحرج عن المسلمين والعمل على تعميمها وتقويتها وتعزيز دورها وزيادة قدراتها لتستجيب لمتطلبات السوق المصرفية وحاجاتها المتزايدة لتستطيع مواجهة التحديات التي تتعاظم في إطار التنافس الشديد وقوانين منظمة التجارة العالمية.
- إنشاء المزيد من المصارف الإسلامية والشركات الاستثمارية التي تقوم على قاعدة المشاركة في الربح والخسارة بديلا عن المداينة بالفائدة.
- إنشاء المزيد من شركات التأمين التعاوني والتكافلي الإسلامي وتشجيع هذا التأمين ليكون بديلا عن التأمين التجاري الذي تشوبه مخالفات شرعية.
- إصدار تشريعات وقوانين للبنوك المركزية تتلاءم مع طبيعة المؤسسات المالية الإسلامية وخصوصياتها.
- العمل على تأسيس مصرف مركزي إسلامي يجمع المصارف الإسلامية وينسق جهودها وينظم العلاقات بينها وبين مختلف المؤسسات المالية الإسلامية فضلا عن قيامه بالمراقبة على المعاملات المصرفية.
- العمل على تحقيق مشروع السّوق الإسلامية المشتركة التي يتجسد فيها الربط بين الأخلاق والاقتصاد ويتحقق بها التكامل الاقتصادي بين الشعوب الإسلامية وتنميتها الشاملة.
- العمل على إدراج مقررات الاقتصاد الإسلامي والعمل المصرفي الإسلامي في كليات الاقتصاد والتجارة والشريعة والحقوق في جامعات البلاد الإسلامية.
- تنظيم مزيد من الملتقيات و الندوات لمعالجة القضايا الاقتصادية من وجهة نظر إسلامية و بيان قدرة الاقتصاد الإسلامي على حل المشكلات الاقتصادية الراهنة .
- إنشاء مخبر علمي لدى المجلس الإسلامي الأعلى يعنى بالبحث والدراسات في مجال الاقتصاد الإسلامي و نشر أبحاث في مجلة متخصصة.
- الاهتمام بشعيرة الزكاة و نشر ثقافتها بالوسائل المختلفة في المؤسسات الدينية والعلمية و التربوية.
- العمل على تطهير البيئة الإعلامية و الثقافية و الاجتماعية من الإعلانات التجارية والحصص الترفيهية التي تتنافى مع القيم و الأخلاق الإسلامية ومنع كل إعلان تجاري يدعو إلى القمار و يشجع على التسلية و الكسل، والزهد في السعي و العمل .
وأخيرا لا يفوتنا أن نستنكر الحملة المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض صحف الغربية المغرضة، ومؤسسات وأشخاص يحملون الحقد للإسلام والمسلمين ويتعمدون الإساءة لمقدساتهم، كما ندين الإساءة إلى جميع الديانات والمقدسات. وإذ نقدر نهوض الأمة الإسلامية، نصرة لنبيها و غيرة على مقدساتها، يحدونا الأمل في أن يكون خير ردها التمسك بدينها و المحافظة على خصوصياتها وثوابتها والتماس أسباب القوة و العزة التي تنهض بمجتمعاتها و تحرّرها من التبعية لغيرها و التي تعيش في دائرتها .
هذا و يسعدنا أن نتوجه، في نهاية ملتقانا، بجزيل التقدير والشكر لفخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة على رعايته السامية لهذا الملتقى، و لجميع من ساعدوا على تحضيره و تنظيمه وتسييره. كما نشكر السادة العلماء و الأساتذة الأفاضل، الذين أثروا فعالياته، بأبحاثهم و دراساتهم القيمة و على رأسهم فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله و أبقاه ركنا للإسلام و المسلمين و جزاه و جميع العلماء العاملين خير ما يجزي به عباده المحسنين.
و الله نسأل أن يوفقنا لما يحبه و يرضاه و الله ولي التوفيق.
الجزائر في30 صفر 1427هـ/ 30 مارس 2006
عن المشاركين في الملتقى الدولي
رئيس المجلس الإسلامي الأعلى