العولمة وأثرها في الثقافة الإسلامية

 

 في إطار الملتقيات الدورية التي ينظمها المجلس الإسلامي الأعلى، بالجزائر ؛ انعقد الملتقى الدولي في موضوع : “العولمة وأثرها في الثقافة الإسلامية” ؛ تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة ؛ وذلك في فندق الأوراسي بالجزائر، من 20 إلى 22 ربيع الأول 1425 هـ / 10 إلى 12 مايو 2004 م ؛ بمشاركة نخبة من أساتذة الجامعات والمفكرين والباحثين في العلوم الإسلامية والإنسانية، بالجامعات الجزائرية والعربية والإفريقية والأوروبية، ناقشوا خلال فعاليات الملتقى، تأثيرات العولمة في مجالات : التاريخ الإسلامي، واللغة العربية، والشريعة الإسلامية، والتربية والتعليم والإعلام.

افتتح الملتقى فخامة الرئيس السيد عبد العزيز بوتفليقة، بكلمة قيمة، دعا فيها إلى إعادة الاعتبار إلى العناصر الثقافية الوطنية، وتنشيطها، وبعثها في النسيج المجتمعي، مبيّناً أنّ “آثار العولمة في تفتيت المجتمعات وتذويب هويتها، تظهر، أكثر ما تظهر، لدى ذوي الثقافة الضعيفة والأفكار الميّتة، لأنّ الحداثة في ذاتها لا ترفض الأصالة، بل تراها مكملة لها”. كما ذكّر السيد الرئيس بأنّ “ضرورات التجدد الثقافي والحضاري المنشود لأمتنا لا يتحقق بالتّنكر للموروث، ولا بأخذ كلّ ما في التراث من سلبيات ؛ كما لا يتحقق مع الثقافة التي تقوم على الغلو والتعصّب، الذي بلغ حدّ التكفير لعلمائنا بل لمجتمعاتنا… وأنّ التجدّد الثقافي الذي نطمح إليه، هو تجدّد الفقه، وتوحيد رؤى المجتهدين في أمهات القضايا والمسائل العصرية ؛ كما يحتاج إلى الانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى، بدون عقد، ومن خلال المنهج الإسلامي الذي تعتبر الوسطية حقيقته، وليست خياراً له. وهذا كله يقودنا إلى إيجاد صيغ جديدة نستطيع بها مجابهة المرحلة الراهنة”.

وقد استمع المشاركون في الملتقى إلى المحاضرات التي قُــدِّمت في محاوره المختلفة، وإلى التعقيبات والمناقشات التي أثرتها ؛ وكانت فضاء فكرياً وعلمياً، أبرزَ خصوصيات الثقافة الإسلامية والبعد الإنساني للحضارة العربية الإسلامية ذات الخصائص الذاتية المتميزة. ومن خصائصها أنّها حضارة ربـّانية المصدر، ربـّانية الغاية، إنسانية النزعة والتوجّه، وأنها حضارة حوار وتعايش، حضارة حركة وتطوّر، حضارة إيمان وأمن وتعاون وسلام ؛ وبهذا كانت الأمّة التي صنعت هذه الحضارة، خير أمّة أُخرجت للناس، وبهذا نالت الأفضلية، وجُعلت رسالتها رحمة للعالمين.

وقد عكست المناقشات التي دارت خلال أعمال الملتقى قبول الجوانب الإيجابية في العولمة، ورفض سلبياتها التي لا تراعي الخصوصيات الثقافية للشعوب والأمم، وتسوّغ هيمنتها عليها، واستغلال ثرواتها، والسيطرة على مقدّراتها ؛ وكذلك الاستقطاب الأحادي الذي يشرّع للاحتلال والعدوان، كما هو الشأن في فلسطين والعراق،  والشيشان وأفغانستان، وغيرها.

هذا، وإذ يثمّن المشاركون في الملتقى مبادرة المجلس الإسلامي الأعلى إلى عقد الملتقيات الفكرية الدولية، كلّ عام، ويؤكـدّون أهميتها، يدعون إلى مواصلة الجهد في هذا المسعى المبارك،  ويوصون بما يأتي :

  1. العناية بالتربية والتعليم والثقافة الإسلامية ؛ ودعم الجهود الرامية إلى ترقية العمل في هذا الميدان ، بهدف تحصين النشء من الانسلاخ والاستلاب والذوبان.
  2. تحصين الأسرة المسلمة من سلبيات العولمة ؛ والعناية الخاصة بثقافة الطفل ، لأنه يشكل اللبنة الأساسية لبناء المستقبل.
  3. حماية اللغة العربية من مخاطر الإهمال والتسيّب، بوصفها لغة القرآن العظيم، واللغة الوطنية والرسمية، وتمكينها من أداء جميع وظائفها، في مختلف مراحل التّعليم ومجالات الحياة، على غرار سائر اللغات في أوطانها الأصلية.
  4. ترسيخ المبادئ والقيم الثقافية الإسلامية والوطنية ؛ وتأكيد الاهتمام الرسميّ بها ؛ بوصفها الحصن الواقي من عوامل التّأثير السلبيّ للعولمة .
  5. الدعوة إلى التفتح على الثقافات واللغات الحية المختلفة ، إثراء للثقافة الإسلامية، وتجسيدا للميزة العالمية للحضارة الإسلامية.
  6. العناية الخاصة بتعميم تدريس التاريخ الوطني والحضاري في مراحل التعليم المختلفة.
  7. دعوة الجامعات العربية والإسلامية ومراكز البحوث العلمية إلى دراسة اتجاهات العولمة، وآثارها المختلفة، في شتّى المجالات الحيوية، والتدقيق المستمرّ للمفاهيم والمناهج التحليلية، والانتفاع بالدراسات التخصّصية، في مجال تبادل الخبرات العلمية و التحاليل التي تكشف الجوانب السّلبية للعولمة.
  8. ضرورة الالتزام بالمحافظة على التعددية الثقافية في بلدان العالم المختلفة ؛ والدفاع الإيجابي على لغاتها الوطنية.
  9. العمل لإنشاء قنوات فضائية متخصّصة ؛ وفتح مواقع في الإنترنيت، لتأكيد عالمية الإسلام ومواجهة الحملة الإعلامية المدبّرة لهدم القيم الروحية والثقافية للأمة الإسلامية.
  10. حث وسائل الإعلام والاتصال، في البلاد العربية والإسلامية، على إعطاء التراث الحضاري الإسلامي، واللغة العربية، والثقافة الإسلامية، المكانة التي تستحقها، لنشر الوعيّ المعرفي ّ والحضاري، الذي يحصّن الأجيال من مخاطر العولمة والتغريب.
  11. العمل لتجديد الخطاب الديني، بما يجعله يستجيب لتطلّعات المجتمع المسلم، ويعالج قضايا الأمة الجوهرية، ومشكلاتها المعاصرة، ومتطلبات حياتها الروحية والمادية.

 والله وليّ الإعانة والتّوفيق.

نصّ البرقية التي وجهها المشاركون في الملتقى الدولي في موضوع “العولمة وأثرها في الثقافة الإسلامية” :

بسم الله الرّحمن الرّحيم

فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، السلام عليكم و رحمة الله وبركاته، وبعد؛

فإنّه ليشرفنا، نحن المشاركين في الملتقى الدّولي الذي عقده المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر، في موضوع “العولمة وأثرها في الثقافة الإسلامية”، أن نرفع لفخامتكم فائق التقدير والشكر على رعايتكم السامية لهذا الملتقى الهام، من حيث موضوعه وزمانه ومكانه ؛ وعلى الخطاب القيّم الذي افتتحتم به أعماله ، وأوضحتم فيه مفاهيم الرؤية الإسلامية المعاصرة إلى آثار العولمة بمختلف أشكالها.

ونغتم هذه الفرصة الثمينة، فنعبّر لكم عن أخلص التهاني بالثقة الغالية التي منحكم إياها الشعب الجزائري لمتابعة تحقيق المصالحة الوطنية، و تعميق الديمقراطية و الاستقرار في الجزائر؛ ممّا يؤذن بمستقبل واعد للشعب الجزائري، في ظلال الإسلام، وفي كنف الأخوة و الوئام.

حفظكم الله و سدّد خطاكم، ووفقكم في خدمة الجزائر و الأمة الإسلامية، و القضايا الإنسانية العادلة.

 لائـحة تنـديد :

 عقد المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر ملتقى دولياً في موضوع “العولمة وأثرها في الثقافة الإسلامية” بالجزائر، من 20 إلى 22 ربيع الأول 1425 هـ / 10 إلى 12 مايو 2004 م، وفي اختتام أشغاله صادق على اللائحة الآتية :

نظراً إلى ما يجري في العالم العربي والإسلامي، وفي فلسطين والعراق، وأفغانستان والشيشان، وبلدان أخرى، من جرائم وحشية ضدّ الإنسانية ؛ فإنّ المشاركين في الملتقى يندّدون بالمعاملات اللاّ إنسانية التي يعامل بها الأسرى والمساجين، والمواطنون الأبرياء في فلسطين والعراق، وفي غوانتانامو، والشيشان، ممّن ينادون بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في العالم.

كما يندّدون بما ترتكبه الصهيونية من الاغتيالات السياسية، وهدم للديار، وقتل للنساء والأطفال والشيوخ ؛ ويناشدون الضمير الإنساني الحيّ في العالم، أن يعمل لوضع حدّ لهذه الجرائم في حقّ الإنسانية، بكل ما يملك من وسائل ؛ وأن يقف موقف الحق والعدل في مناصرة الشعوب المقهورة، ومساندتها في حقّها المشروع في مقاومة المحتلّين، وفي تقرير مصيرها وتحقيق استقلالها وسيادتها.