التفاهم بين المذاهب الإسلامية

 

لقد توصلنا من خلال الدراسات التي صدرت في الملتقى المنعقد في 30 و 31 مارس 1998 بالجزائرعن صورة الإسلام في العالم الخارجي، إلى إبراز ظاهرة الخلافات المعلنة بين مذاهبنا، و تسلط النزعات المتمسكة بخطاب العنف على الرأي العام. وتعرضنا في الملتقى الدولي عن الإسلام و الديمقراطية المنعقد في 20 و 21 و 22 مارس 2000 إلى قضية التكفير بواسطة الفتاوى الفوضوية التي تشوه بسمعة الإسلام والمسلمين و تنسبه إلى عهود التعصب الديني و المذهبي.

و لاحظ مفكرونا الذين يهتمون بالحوار بين الأديان و الثقافات أن المسلمين يتقدمون لمثل هذا التفاهم بمذاهب متفرقة مما يجعل مسألة الوحدة الإسلامية الأساسية المتغلبة على التنافر المذهبي تطرح بإلحاح على المسلمين، خصوصا في هذه الظروف الحضارية التي تتطلب الاجتهاد الفكري و التقارب بين الناس.

و إذا كان الخلاف الفقهي، و تنوع الآراء و التفسيرات يعد من إيجابيات ثقافتنا الإسلامية، كما كان يراه كبار الأئمة، فإن التمذهب للخصومات السياسية و العقائدية في عهود الانحطاط كان انحرافا عن الأصل الذي هو حرية الرأي و التسامح فيه.

صحيح أن المناحي المذهبية عندنا لها تاريخها و تطوراتها و اجتهاداتها الخاصة، و من حق كل مسلم أن يطلع عليها في تنوعها ويتعامل معها بالتفهم، ثم بالاتصال و التفاهم مع أهلها حتى تتحقق الوحدة في الأساسيات و يقدم الإسلام نفسه للعالم دينا متماسكا ذا بلاغ إنساني وحضاري يتعامل و يتحاور مع مختلف الأديان و الثقافات.

و إذا ما حصل الاتفاق المبدئي على وجوب التفاهم و التقارب المذهبي، فإنه يتحتم على الممارسين لهذه الاتصالات أن يحددوا منهجيات واضحة و ناجعة سواء في تعيين الأطراف المكلفة بهذا العمل الدقيق أو في ضبط المواضيع التي تتطلب الحوار و التوضيح.

 لقد وقعت منذ أواخر القرن الماضي تجارب مفيدة و مهمة من خلال الحركات الإصلاحية التي نجحت في تحديد الأساسيات؛ لكن متابعة التقارب المذهبي بطريقة منتظمة لم تتحقق، لبلوغ الآمال المنتظرة.

لاشك أن الأديان الكبرى المتفرعة إلى مذاهب مختلفة، لم تصل بعد إلى التقارب الذي كانت تهدف إليه من خلال لقاءاتها المتكررة و المتجددة،  و لكنها حققت تقاليد التفاهم و تبادل الاحترام، و الاستماع إلى الآخر كشريك في المجهود.

و نريد من أنفسنا أن نبدأ بسرعة في الاستماع إلى إخواننا و أن نتعود على تقبل آرائهم و قناعاتهم على أنها جزء من الإسلام الغني الواسع بالأفكار.

إن الانغلاق المذهبي الذي أدى إلى فتن التكفير و التضليل و العداوات   و إباحة الدماء، ليس من طبيعة الإسلام، و لا سبيل إلى التغلب على هذه الفتن إلا بالتفاهم و التقارب بين المسلمين، و إذا كانت مختلف المؤسسات و الهيئات الرسمية و غير الرسمية بمختلف البلاد الإسلامية قد عقدت ندوات و مباحثات في هذا الموضوع الكثير الحساسية، فإن أهم المسائل فيه تبقى معروضة علينا قصد الاجتهاد فيها، و ذلك لأن التفاهم المذهبي عمل يتطلب المتابعة و الاهتمام باستمرار و تجديد.

يُنتظر من هذا الملتقى أن يجمع بين الكفاءات الفكرية و العلمية المتعودة على الحوار و المتخصصة في المذاهب الفقهية و الكلامية والسياسية للخروج بتوجيهات عملية في منهجيات التفاهم و التقارب، من أجل وحدة إسلامية أساسية مع تنوع الآراء والمذاهب.

المحاور:

الدراسة العلمية:

التحديد التاريخي و الجغرافي للمذاهب الإسلامية:

– أهم المذاهب الفقهية الإسلامية

– المذاهب في العقيدة:

  1. من علم الكلام إلى علم التوحيد
  2. الفلسفة الدينية

منهج التفاهم :

– الناحية النظامية:

  1. تعدد الجمعيات و الهيئات
  2. تعدد الملتقيات

– الناحية العملية

  1. اختيار مواضيع التقارب

– تحديد الأساسيات المتفق عليها:

أخلاقيات التفاهم:

  1. تقديم الأفكار من طرف أصحابها
  2. الحوار اللازم لتقارب الأفكار
  3. التخلي عن أساليب المجادلة و المفاخرة

المتابعة :

  1. بنشر المداولات
  2. عدم انقطاع المباحثات

المراجعات الضرورية:

  1. اعتبار الخصومات القديمة في إطارها التاريخي و السياسي.
  2. مراجعة الكتب المدرسية و الجامعية التي تتعرض للاختلافات.

دور الدولة المعاصرة في التعايش و التفاهم بين المذاهب:

  1. الدولة و ضمانتها القانونية
  2. المواطنة و حرية الفكر و التعبير
  3. تعايش المذاهب قاعدة ضرورية للعمل المثمر

بيان الملتقى :

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،

 إن أصحاب الفضيلة العلماء المشاركين في الملتقى الدولي في موضوع ” التفاهم بين المذاهب الإسلامية  “الذي نظمه المجلس الإسلامي الأعلى، تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، في نزل الأوراسي بالجزائر العاصمة، أيام 11، 12، 13 محرم 1423هـ الموافق لـ 25، 26، 27 مارس 2002، بعد الاستماع إلى خطاب الافتتاح الرسمي للملتقى لفخامة رئيس الجمهورية، واتخاذ وثيقة عمل، وبعد دراسة المحاور المدرجة في جدول الأعمال، وبعد الاستماع على العروض العلمية القيمة التي قدمت في الملتقى، يباركون المبادرة التي قام بها المجلس الإسلامي الأعلى بتنظيم هذا الملتقى العلمي الذي يعزز الجهود الحميدة المبذولة في هذا المجال ويؤكد سعي الجزائر وحرصها الدائم على وحدة الأمة الإسلامية، على تعدد مذاهبها، ويؤكدون المبادئ الساسية الآتية :

  1. إن المذاهب الفقهية افسلامية تستمد أصولها من الكتاب والسنة والإجماع.
  2. إن تعدد المذاهب الفقهية عامل قوة وتماسك ينبغي أن لا يؤثر في موقف الأمة الإسلامية من قضاياها المصيرية.
  3. إنها مدارس فكرية اجتهادية تمكن الأمة من إقامة دينها وتنظيم شؤون حياتها في مختلف الميادين، لأنها كلها تنشد المصلحة العامة تحقيقا لمقاصد الشريعة، ولا تدعي العصمة.
  4. ضرورة التأدب بأدب الاختلاف وإشاعة روح التسامح بين أتباع المذاهب.
  5. عدم تكفير أحد من أهل القبلة.
  6. يجب أن تظل حرمة النفس الإنسانية فوق كل الاختلافات العقائدية والفقهية.

 وبناء على هذه المبادئ الأساسية، فإن العلماء المشاركين في الملتقى على تعدد مذاهبهم، يوصون بما يأتي :

  1. الرفض القاطع لأي حكم بالتفكير مبني على أي خلاف مذهبي، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم ” من قال لأخيه المؤمن يا كافر فقد باء بها أحدهما “.
  2. تحديد مناهج تدريس الفقه المقارن ليشمل المذاهب الإسلامية المعتمدة في العالم الإسلامي مع التركيز على أدب الاختلاف.
  3. إنشاء هيئة عليا من العلماء المتخصصين لمتابعة التوصيات والتنسيق مع باقي الهيئات المماثلة لها في العالم الإسلامي.
  4. دعوة العلماء إلى تحمل مسؤولياتهم بالتكفل بقضايا الأمة، وسد الباب أمام أدعياء العلم والفتوى والمتطفلين عليها.
  5. اعتماد الاجتهاد الجماعي تفاديا للفتوى الفردية لا سيما فيما يتعلق بالمصالح العليا للأمة، واعتبار كل فتوى تصدر عن أهلها من العلماء المستوفين لشروط الإفتاء باطلة.
  6. دعوة القائمين على الوعظ والإرشاد إلى تجنب إثارة المسائل الفقهية الخلافية في خطبهم ومواعظهم.
  7. وضع مدونة بالأحاديث الثابتة ذات الموضوع الواحد، يسهم في انتقائها علماء المذاهب الفقهية المعتمدة.
  8. إنشاء مجلة علمية متخصصة في فقه المذاهب المعتمدة، يسهم في تحريرها أقطاب هذه المذاهب، على أن يتكفل بإصدار هذه المجلة المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر.
  9. إحداث موقع في الأنترنيت يسهم في نشر أصول الفقه الصحيحة، تعزيزا للتكامل بين المذاهب ومد الجسور المشتركة بينها.
  10. وجوب ترقية الجانب الروحي في حياة الأمة بتزكية النفس وتقوية الإيمان لبلوغ درجة الإحسان.

  والله ولي الإعانة والتوفيق والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.