الإسلام والديمقراطية

 

من الفترة من 14 إلى 16 ذي الحجة عام 1420 هـ الموافق لـ 20 إلى 22 مارس 2000م، انعقد الملتقى الدولي عن الإسلام والديمقراطية بمدينة الجزائر، الذي افتتحه فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وألقى كلمة ضافية رحب فيها بالضيوف و أعضاء الشرف وتحدث فيها عن المشكلات التي تواجهها الجزائر ودعا العلماء إلى مواجهة هذه المشكلات.

كما ألقى السيد الدكتور عبد المجيد مزيان رئيس المجلس الإسلامي الأعلى كلمة أوضح فيها موقف الإسلام من قضايا الشورى والديمقراطية و عقد المؤتمر ست جلسات ناقش فيها مختلف القضايا المتصلة بالشورى وعلاقتها بالديمقراطية من خلال أكثر من ثلاثين بحثا و ورقة عمل و قد شارك في المؤتمر أكثر من مائة باحث من مختلف البلدان العربية و الإسلامية و العالمية و بعد مناقشات ضافية لكل هذه الأوراق توصل المؤتمر إلى التوصيات الآتية:

أولا: إن الإسلام وضع قواعد كلية تتصل بقضايا نظام الحكم في الإسلام حيث أقامه على الشورى و العدالة والمساواة، و بين القرآن الكريم و السنة المطهرة الأسس العامة لنظام الشورى، و ترك للمسلمين الاجتهاد لوضع ما يناسبهم من تفصيلات تتصل بهذه القضايا الكلية، وتلبي حاجات الأزمنة و الأمكنة التي يعيشون فيها.

لذا يوصي المؤتمر العلماء و المفكرين في الدول الإسلامية بوضع ما يناسب عصرنا الحاضر من مبادئ وأسس تقوم عليها أنظمة الحكم في الدول الإسلامية الآن.

ثانيا: يوصي المؤتمر بأن تكون أنظمة الحكم في مختلف الدول الإسلامية قائمة على نظام الشورى، مع وضع الأسس التي تضمن أن تكون الشورى ملزمة للحاكم و المحكوم في الدول الإسلامية، و أن تلتزم القواعد الشرعية الملزمة التي وردت في القرآن و السنّة و أن تترك الباب واسعا للاجتهاد بعد ذلك. على أن يُمارس الاجتهاد من ذويه الذين يجب أن يُمثلوا بنسبة معقولة في المجالس التشريعية و الشعبية.

ثالثا: إن المؤتمر يقر آليات الديمقراطية الحديثة في إنشاء مجالس الشورى، و لا مانع من الأخذ بنظام الانتخاب، على أن يمثل أهل المشاورة في هذه المجالس و ضرورة التزام الأحزاب القائمة في الدول الإسلامية بأسس والمبادئ التي تتفق مع الشريعة الإسلامية ومصالح المجتمع.

رابعا: يوصي المؤتمر العلماء و المفكرين و الباحثين من مختلف الدول الإسلامية بأن يواصلوا البحث و الدراسة في السياسة الشرعية و أن يراعوا اعتبارات الواقع في هذه الدراسات و أن يُضمنوا هذه البحوث و الدراسات مختلف المقررات الدراسية في الجامعات و معاهد البحث المتخصصة.

خامسا: يجب إبراز القيم و المبادئ الإسلامية التي توجد في مختلف الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية في الفكر الإسلام، و كيف يمكن أن تُستخدم في إحياء النظم الإسلامية و الفكر العالمي، مثل قيم العدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي بين المسلمين، و توزيع الثروة بين أكبر عدد ممكن من الناس تحقيقا لقوله تعالى: (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) و ربطها بنظام الشورى لكي تتسع قاعدة المشاركة السياسية بين أكبر عدد ممكن من الناس.

سادسا: يوصي الملتقى بأن تعود في المجتمعات الإسلامية روح المشاركة و الإحساس بأهمية الفرد في تسيير أمور بلده، مع مناشدة الحكومات في الدول الإسلامية بأن تكثر من مجالس المشاورة في مختلف المؤسسات و الهيئات، و إنشاء مجالس شعبية للمشاورة ما أمكن ذلك.

و في النهاية يوجه المؤتمرون إلى السيد رئيس الجمهورية و رئيس المجلس الإسلامي الأعلى معاني الشكر والتقدير على العناية الفائقة التي أولتها الجزائر حكومة و شعبا بالمؤتمر و أعربوا عن خالص تمنياتهم لدولة الجزائر الديمقراطية و الشعبية و قيادتها الحكيمة بدوام القي والسداد.

 و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

البيان الختامي :

 بيان صادر عن العلماء و المفكرين المجتمعين في الجزائر في الملتقى الدولي حول الإسلام و الديمقراطية أيام 14و 15و 16 ذي الحجة 1420هـ الموافق لـ 20 و21و 22 مارس 2000م.

استمع العلماء و المفكرون من مختلف أقطار العالم للكلمة المهمّة و المؤثرة التي ألقاها سيادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في جلسة الافتتاح، و التي ناشد فيها العلماء أن يكونَ لهم دور و رأي واضح فيما يجري من عنف في الجزائر و أن يساندوا مساعيه السِّلمية في العفو و الصفح و الخروج بالجزائر من المحنة العارضة التي نزلت بها.

و بعد التداول فإن العلماء و المفكرين يعلنون ما يلي.

 أولا: إن العنف الذي يمارسه المجرمون المنادون بتكفير الشعوب و اتهامها بالرّدّة، و تمارس قتل الصبيان والشيوخ و النساء بهمجية لا نظير لها هو أمر غير مقبول على الإطلاق.

إن ما يجري مخالف للإسلام الذي يُحرِّم قتل النفس لقوله تعالى: (و من يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعدله عذابًا عظيما) و لقوله: (من قتل نفسًا بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا).

ثانيا: إن الفتاوى المبيحة لدماء المسلمين هي فتاوى مخالفة للشريعة الإسلامية و بالتالي فإنما لا قيمة لها ولا اعتبار بل هي لون من ألوان الاعتداء على الإسلام و مذاهبه المختلفة.

 ثالثا: إن سياسة العفو و الوئام و التصالح التي دعا إليها سيادة الرئيس بوتفليقة من أجل تحقيق السلم و الأمن الاجتماعي هي سياسة راشدة يدعمها العلماء و يؤيدونها، لأنها تتفق مع تعاليم الإسلام لقوله تعالى: (خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين) و لقوله تعالى: (ولو كنت فظًّا غليظ القلب لا نفضّوا من حولك، فاعف عنهم و استغفر لهم و شاورهم في الأمر) و لقوله:( فاعفوا و اصفحوا حتى يأتي الله بأمره) و لقول الرسول  يوم فتح مكة لأهلها الذين آذوه و أخرجوه “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.

 رابعا: إن المنهج الإسلاميَّ منهج يقوم على اللين و الحكمة و الدعوة بالحسنى، قال تعالى: (فقولا قولا لينًا) وقال: (ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن) و يدعو العلماء كافة المسلمين إلى التحليّ بهذا النهج و الوسطيّة التي لا تقبل التطرف بحال من الأحوال.

و قد آن للمسلمين في كل بقاع العالم أن يدركوا أنّهم الأمة الوسط الداعية إلى الخير،تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، و يجب أن تبقى خير أمة أخرجت للناس و ذلك بضربها المثل و القدوة للأمم الأخرى في البناء و الإعمار الذي خلق الله تعالى الإنسان من أجله، قال تعالى: (إنّي جاعل في الأرض خليفة).

و في ختام هذا البيان فإن المؤتمرين يدعون الله تعالى أن يحفظ الجزائر و شعبها من كل سوء، و يأملون أن تزول كافة مظاهر الفتنة وأسبابها لتعود في طليعة الدول العربية و الإسلامية لتمارس دورها في البناء والإعمار و الدعوة إلى الإسلام بين شعوب الأرض.