كلمة الرئيس
كلمة رئيس المجلس حين تنصيبه
الحمد لله كما علمنا أن نحمد، ونصلي ونسلم على خير الخلق وخلاصة الأنبياء، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أيها الحفل الكريم:
لا غرو ونحن في أفياء المجلس الإسلامي الأعلى الذي هو هيئة دستورية عليا، تعكس صفاء الإسلام الذي أنار البصائر الجاهلية المنطمسة، وأنقذ الأنفس الأمارة المنغمسة، وأشع بها من الهداية إيقاناومن الحق طمأنينة وإيمانا، لتخرج الناس إلى منفسح من الحضارة وبلاغة منالعبارة وتسام للصدارة عن جدارة ولتواجه مسلسل الصراع الإيديولوجي الفتاك، وملامح الغزو الثقافي الأفاك الذي كرس الإستنساخ الحضاري وأفضى إلى الإستتباع والخضوع ،وإلى القابلية والجمود والرضوخ ، وضروري للأمة أن تنهض بوعي وتسام ورقاء وأن ترنو في طموحاتها الباهرة لأن تجمع الجهود، وتمتناللحمة، وترنو لتكريس الخطاب الوسطي المعتدل، لتفتح به نوافذَ للأمل،وتداوي به طفرات من العلل، لقد تعاقب على رئاسة المجلس قامات ضخام، من الشيخ العباس بن الشيخ إلى الشيخ أحمد حماني،إلى الدكتور عبد المجيد مزيان، ثم الدكتور بوعمران الشيخ، ثم الدكتور أبوعبد الله غلام الله، وما منهم إلا له مقام معلوم، فعمل المجلس في تلك العهود الممتدة على توخي الجدة باستقراء التراث، واستجلاب الرؤى للانبعاث، منعا لكل انزلاق و تحصنا من كل اختراق، مما نواجه به العولمة الساحقة، و المادية العائقة والفتن المارقة و الإباحية الفاسقة،و الأبواق النائحة الناعقة،وذلك بالحفاظ على الموروث القداسي المشع وابتعاث معالم الهوية.تمسكا بالأصل،وانفتاحا على العصر و حفاظا على الإسلام في معناه الأعمق ومبناه الأسمق، و هو ما يسعد به الأولون من الأجيال الذهبية الرائدة و هي شرعةومنهاج وترياق و علاج ،ييسر الله به الأسباب ، لعودة الوعي وانبعاث الروح وتماسك الكلمة، والتئام الصف، و هناء الحاضر، وعمار المستقبل، بفيض من الأمل دفاق، وتوق إلى كل سام وراق وارتسام منهج هادف إلى تجسيد الإسلام في واقع من التسامح و التصافح، ورأب الصدع، ومداواة الجروح، ولملمة القروح واستشراف للدين الوسطي المسامح، مع يقين راسخ غير قابل للانزياح في لطف الله وأنعامه المواتي فمالا ريب فيه.
وإن مجلسنا الإسلامي الأعلى، ليتوق إلى الأسمق والأغلى، ويرنو إلى نهضة جادة، ودافعية مادة، وقد شهدت عرصاته ملتقيات كبارا ومؤتمرات غزارا، ونقاشات علمية سامية ومطبوعات محققة راقية وانفتاحا على الفتوى للعامة والخاصة، ومبادرات للإصلاح بين الناس بالعشي والإبكار، وانبعاثا للصيرفة الإسلامية التي تبنتها الدولة الجزائرية، وتلقفتها الأمة بالقبول والترحاب.
وان المجلس الإسلامي الأعلى ليزهو فخرا بأعضائه المخلصين الذين هم صفوة العلماء، ورادة البحث وأصحاب الأثارة، من ذوي المكنة والجدارة، وهم الذين حققوا كل جميل، وتاقوا لكل شامخ نبيل، وأوتوا الحكمة وبعد النظر، وناقشوا المسائل والحقائق في عمق وحصافة وبصر.
ولا شك أن المجلس سيبقى فاتحا أبوابه على المصاريع، لكل مبادرة أثيرة، وكل مخطوط ثمين، وكل جهد أمين، وكل عمل متميز مكين، ليخلف من بعد هذا الجيل جيل ورثوا الكتاب وأخذوا بالأسباب، فنربط الماضي بالحاضر،والقادم بالغابر، ونتقن المراس، لجني الغراس، ونضع المسار على خير أساس…
وان بلادنا الجزائر الشامخة، في حاجة إلى أن تبرز رموزها العلمية في حنايا المجلس الإسلامي الأعلى، عبر التاريخ، من أمثال أحمد بن إدريس اليلولي، والوغليسي،والغبريني، والمنقلاتي، وابن راس المعسكري،و الفجيجي، و البلبالي والثعالبي، وابن مرزوق، وابن قنفد،والقلصادي، و الاخضري، و المغيلي، و العبيدي، وابن باديس، والابراهيمي، والبيوض والفضيل إسكندر، ومحمد ابن الكبير، وغيرهم كثر…
ولا غرو أن ننبه إلى منهج هؤلاء،وسيرهم العطرة، حقيقية بان تنهض بالجيل، وأن تحيي موات الأمة، وأن تعيد الأمل، وتزكي العمل وتعمل على المفاقهة والحوار والانفتاح على الآخر، دون ذوبان ولا انسلاخ و المبادرة الى السلامة من التلوث العقائدي والانحراف المعرفي، لتبريز الإسلام على انه سلام لا عدوانية وربانية لا رهبانية،وان الإنسان الاستخلافي هو الذي يحقق النهضة للحضارة عن جدارة، والأجيال بحاجة إلى مواجهة القناعات الزائفة والإيديولوجية الناسفة، والملل المنحرفة، والنحل المنجرفة والضغوطات العولمية الطامية، والتقننة العاتية، بيقين لا تذروه الرياح، وفهم لا يسلمنا إلى التماهي و الانزياح.
و إننا لنزجي آيات الشكران ونلهج بأبلغ عبارات العرفان للسيد رئيس الجمهورية الموقر، على ثقته الغالية و نرجو أن نكون عند حسن ظنه، و للسيد الوزير الأول على تجشمه الحضور لتأطير هذا الحفل وللسيد المستشار بالرئاسة على تفضله بتشريفنا بالحضور ولأصحاب السيادة و الوزراء الأفاضل، و لأصحاب الفضيلة و السماحة، والحضور المتميز كل باسمه ووسمه ولأعضاء المجلس وإطاراته، وللأسرة الإعلامية قاطبة سائلين الله أن يكون قابل المجلس امتدادا للنهضة و الانبعاث، وأن يفتح فضاءه لكل العلماء و الدارسين، و الفقهاء المتمرسين، و الباحثين الجادين، و أن تتعاون فيه العزائم، و تتكاتف المواهب، لدفع الأمةإلى الفاعلية، و إعادة برمجة العقل المسلم، للقيام بوظيفته الرسالية وأن نعمل للاستثمار في الإنسان،للنهوض من الكبوة، و اليقظة من الغفوة، و احتثاث مسببات الفرقة ،والإسهام في استقرار الوطن،و التضحية لذلك بكل ثمن، توخيا للأمن الفكري و العقائدي، وسلامة الأمة، و ضمان التعايش الذاتي و الغيري، مع الإنية و الأصالة، في ظل جزائر آمنة مطمئنة، لا تخاف دركا و لا تخشى، ولن ينال ذلك إلا بهمة وحكمة، و فتوة، وقوة في العلم و الفكر والإدارة و الطموح، “ولله الأمر من قبل و من بعد، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.” وشكرا لكم جميعا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.